التعامل مع المبادئ التوجيهية الجديدة لحقوق المؤلف والنشر الصادرة عن الهيئة السعودية للملكية الفكرية لقطاع الإعلام: تأملات عملية وتشريعية

بقلم محمد يوسف جمعة، مستشار أول في الملكية الفكرية، شركة كدسه للملكية الفكرية، الرياض، ٢٤ سبتمبر ٢٠٢٥.

في أغسطس ٢٠٢٥، أصدرت الهيئة السعودية للملكية الفكرية، بالتعاون مع الهيئة العامة لتنظيم الإعلام، دليلاً رائداً للامتثال بحقوق المؤلف في قطاع الإعلام. لا يعكس هذا الدليل فقط تطور منظومة الملكية الفكرية في المملكة، بل يشكل أيضاً خارطة طريق عملية للصحفيين، والمذيعين، والمعلنين، وصنّاع المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، وجميع العاملين في المجال الإعلامي. وفي وقت تشهد فيه الصناعات الإبداعية في المملكة تحولاً متسارعاً، تساعد هذه الإرشادات على توضيح البيئة القانونية، ورفع المعايير المهنية، ودعم قطاع إعلامي وطني عادل وتنافسي.

حقوق المؤلف:
حجر الأساس للحماية
يفرق نظام حقوق المؤلف السعودي بين الحقوق الأدبية والحقوق المالية:
• الحقوق الأدبية دائمة ولا تقبل التنازل. يظل للمؤلف دائماً الحق في نسب العمل إليه (أو اختيار البقاء مجهولاً) والاعتراض على أي تحريف أو تشويه لعمله. وتظل هذه الحقوق قائمة حتى بعد بيع الحقوق المالية أو ترخيصها.
• الحقوق المالية تشمل كامل أشكال الاستغلال التجاري: الاستنساخ، التوزيع، الاقتباس، الأداء العلني، البث، والنشر الرقمي. ويجوز نقل هذه الحقوق أو ترخيصها بعقد مكتوب يحدد النطاق والمدة والإقليم بوضوح.
هذه الحماية المزدوجة مهمة خصوصاً للعاملين في الإعلام: حتى مع نقل الحقوق المالية، يجب احترام نسب العمل وسلامته دائماً. وتشدد إرشادات الهيئة على ذلك، داعية المؤسسات الإعلامية إلى تطبيق ضمانات قانونية وتحريرية لضمان الامتثال.

ما الذي يُحمى وما الذي لا يُحمى؟
يحمي نظام حقوق المؤلف السعودي نطاقاً واسعاً من المصنفات الأدبية والفنية والعلمية، بما في ذلك المقالات الصحفية، والكتب، والخطب، والموسيقى، والصور، والأفلام، والبرمجيات، وقواعد البيانات. كما تُحمى التعديلات الإبداعية والتجميعات متى ما انطوت على قدر من الأصالة.
غير أن النظام يستثني فئات معينة. وأبرزها في المجال الإعلامي هو الاستثناء الصريح لـ:
»ما يُنشر في الصحف والمجلات والدوريات وما يُبث من أخبار يومية أو أحداث ذات طبيعة خبرية«.
هذا الاستثناء، المأخوذ من المادة (٤) من نظام حقوق المؤلف، وُضع لخدمة المصلحة العامة من خلال تمكين النشر الواسع للأخبار كمنفعة عامة. غير أن الدكتور فيصل الفاضل، في تحليله المنشور بصحيفة مال بتاريخ ٧ أغسطس ٢٠٢٥، يشير إلى أن صياغة النص الحالية فضفاضة لدرجة أنها لا تستبعد الوقائع المجردة فحسب، بل تمتد أيضاً لتشمل الصياغات التحريرية المبتكرة، والتحقيقات الميدانية، والتقارير الصحفية. والنتيجة، كما يوضح، هي إضعاف قدرة المؤسسات الإعلامية على حماية استثماراتها والحفاظ على جودة إنتاجها.

الجدل حول استثناء الأخبار: دعوة إلى التعديل التشريعي
يجادل د. الفاضل بأن المحتوى الإخباري ليس «مادة متناثرة على قارعة الطريق يلتقطها من يشاء»، بل هو نتاج بحث وجهد إبداعي، وغالباً ما ينطوي على مخاطر شخصية كبيرة—خصوصاً في التغطيات الميدانية للحروب أو التحقيقات المعقدة. فالمؤسسات الإعلامية تستثمر بشكل مكثف في الكفاءات والعمليات والمحتوى الأصلي. وإذا استمر القانون في استثناء ليس الأخبار الخام فحسب بل أيضاً التغطيات الإبداعية، فإن الحوافز للإنتاج الصحفي المهني ستتضاءل، وتتعرض استدامة المؤسسات الإعلامية للخطر.
ولهذا يوصي بأن يُعاد صياغة المادة (٤) بحيث يقتصر الاستثناء على:
» المعلومات الخبرية البحتة المتعلقة بالأحداث اليومية الصادرة من مصادرها الأصلية (مثل البيانات الصحفية أو المنشورات الرسمية)، أو الوقائع ذات الطبيعة الواقعية»، مع بقاء الأسلوب التحريري والتغطية الإبداعية والتحقيقات الميدانية والتحليلات تحت الحماية.
هذا التوجه يتماشى مع التطورات الدولية: فقد منح التوجيه الأوروبي لعام ٢٠١٩ الناشرين حقوقاً مجاورة على المحتوى الإخباري (باستثناء الحقائق الخام)، كما يميز القانونان الأميركي والفرنسي بين الوقائع غير المحمية والمحتوى التحريري المحمي.

الاستثناءات والاستخدامات المسموح بها
حدد الدليل بعض الاستثناءات المشروطة، منها:
• الاستخدام الشخصي: نسخ فردية لأغراض خاصة غير تجارية (باستثناء البرمجيات والمصنفات السمعية-البصرية).
• الاقتباس والنقد: جواز استخدام مقتطفات معقولة للنقد أو التقرير أو البحث مع ذكر المصدر.
• الاستخدام التعليمي والأرشيفي: استخدام محدود من قِبل المعلمين والطلاب والمكتبات لأغراض التعليم أو الحفظ أو البحث.
• التغطية الإخبارية: يمكن إعادة نشر لقطات أو صور قصيرة في إطار تغطية الأحداث الجارية، لكن يظل الأسلوب الإبداعي محمياً وفق التعديل التشريعي المقترح.
• المناسبات العامة والعروض غير الربحية: بشرط الاعتراف المناسب وبما لا يتجاوز السياق غير التجاري.
لا يقر النظام السعودي بدفاع «الاستخدام العادل» الواسع، وبالتالي فإن أي استخدام خارج هذه الحالات يتطلب إذناً أو ترخيصاً.

المخالفات والجزاءات
يشكل أي استخدام غير مرخص—كالاستنساخ أو الاقتباس أو البث خارج الاستثناءات القانونية—انتهاكاً. كما تشمل الانتهاكات: الانتحال، إغفال نسب العمل، التعديلات غير المصرح بها، والتحايل على الحماية التقنية.
العقوبات مشددة ويتم تطبيقها بصرامة: إنذارات، غرامات تصل إلى ٢٥٠ ألف ريال عن كل مخالفة (وتضاعف في حالة التكرار)، إغلاق المنشآت، مصادرة وإتلاف المواد المخالفة، تعويضات، بل وقد تصل إلى الملاحقة الجنائية والسجن. وتتولى لجنة الفصل في مخالفات حقوق المؤلف بـالهيئة السعودية للملكية الفكرية سلطة التفتيش والضبط والتنسيق مع القضاء.

الترخيص والتسجيل والامتثال
مع ضيق نطاق الاستثناءات، يشدد الدليل على أهمية العقود المكتوبة لترخيص أي محتوى من طرف ثالث، مع تحديد النطاق والإقليم والمدة بوضوح مع احترام الحقوق الأدبية. ورغم أن التسجيل في الهيئة السعودية للملكية الفكرية اختياري، فإنه يوفر دليلاً أساسياً على الملكية ويسهل إجراءات الإنفاذ وحماية الجمارك.
بالنسبة للصحفيين والمؤسسات الإخبارية، فإن إصلاح استثناء الأخبار سيعزز قدرتهم على الاستفادة من ترخيص تقاريرهم الأصلية وتغطياتهم الإبداعية، وكذلك اتخاذ إجراءات ضد الاستغلال التجاري غير المرخص.

الجبهات الرقمية والتناغم الدولي
يتناول الدليل أيضاً التحديات الناشئة—مثل المحتوى المُنشأ من المستخدمين، والبث الرقمي، والأعمال الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، والرموز غير قابلة للاستبدال مؤكداً أن الحماية تظل قاصرة على التعبير الإبداعي البشري الأصلي. كما يتماشى النظام السعودي مع الاتفاقيات الدولية (اتفاقية برن واتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة لحقوق الملكية الفكرية TRIPS)، لا سيما في قوة الحقوق الأدبية وآليات الإنفاذ.
وتبرز التحليلات أن الاتجاهات العالمية تتجه نحو حماية المحتوى التحريري. فقد اتخذ الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وأستراليا خطوات لتقييد المنصات الرقمية والجامعين من استغلال الإبداع الصحفي دون تعويض. والمملكة في موقع جيد لتبني نهج متوازن مماثل يحافظ على النفاذ العام ويضمن استدامة قطاعها الإعلامي.

الخاتمة: دعوة إلى إصلاح متوازن
تشكل إرشادات الهيئة السعودية للملكية الفكرية أساساً للامتثال بحقوق المؤلف في قطاع الإعلام السعودي. ومع ذلك، وكما يوضح د. فيصل الفاضل، فإن استمرار تطوير الإطار القانوني—خصوصاً فيما يتعلق باستثناء الأخبار—أمر ضروري لحماية العمل الصحفي الأصلي وضمان ازدهار المؤسسات الإعلامية في اقتصاد معرفي تنافسي.
ومن خلال الالتزام بهذه الإرشادات والسعي إلى تعديلات تشريعية تحقق التوازن بين حق الجمهور في الوصول إلى المعلومات وحقوق المبدعين، ستعزز المملكة مكانتها كقائدة إقليمية في الإعلام المهني والمستدام والمبتكر.

هذه المقالة تُقدّم معلومات عامة وليست إرشادًا قانونيًا. تواصل معنا عبر البريد الإلكتروني info@kadasa.com.sa

د. فيصل الفاضل، صحيفة مال، ٧ أغسطس ٢٠٢٥. المصدر: صحيفة مال https://share.google/VzDYqPljyimYfv66h