المبادئ التوجيهية للهيئة السعودية للملكية الفكرية بشأن الذكاء الاصطناعي

مقدمة

تمثل المبادئ التوجيهية المتعلقة ببراءات الاختراع المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، التي أصدرتها الهيئة السعودية للملكية الفكرية 22 أبريل 2025، خطوة مهمة في توضيح كيفية تعامل المملكة العربية السعودية مع احدى أبرز التحديات في قانون البراءات الحديث: العلاقة بين الذكاء الاصطناعي وصفة المخترع. ورغم أن هذه المبادئ غير ملزمة قانونيًا، إلا أنها تقدم إرشادات موثوقة حول كيفية التعامل مع الاختراعات التي تتم بمساعدة الذكاء الاصطناعي أو تُنتج منه ضمن إطار نظام الملكية الفكرية في المملكة.

تتناول هذه المراجعة تلك المبادئ التوجيهية، وتهدف إلى تقييم أثرها القانوني والعملي، ومدى انسجامها مع الممارسات الدولية والتطورات القانونية، خاصة في ظل سعي المملكة لتكون مركزًا إقليميًا للابتكار في الذكاء الاصطناعي ضمن رؤية السعودية 2030.

  • إعادة تأكيد الطبيعة البشرية لقانون البراءات

من المبادئ الأساسية في هذه التوجيهات التأكيد على أن صفة المخترع بموجب القانون السعودي تقتصر على الأشخاص الطبيعيين. ويتماشى هذا مع الإجماع الدولي — من الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي والصين — حيث رفضت المحاكم ومكاتب البراءات مرارًا طلبات تعيّن نظام ذكاء اصطناعي كمخترع وحيد مثل قضية (DABUS).

وقد تم تأكيد موقف الهيئة السعودية في قانون الملكية الفكرية (2023) وأكدت عليه المبادئ التوجيهية: تُشترط مساهمة واضحة من شخص طبيعي للحصول على البراءة، أما الاختراعات الناتجة بالكامل عن الذكاء الاصطناعي فهي غير قابلة للحماية وتدخل في الملك العام.

وهذا يتماشى مع الغاية التاريخية لنظام البراءات: مكافأة الإبداع البشري مقابل الإفصاح للجمهور. وبذلك تتخذ الهيئة موقفًا واضحًا ضد إعادة تعريف “المخترع” ليشمل الكيانات غير البشرية، رغم التقدم التكنولوجي.

  • الاعتراف العملي بالذكاء الاصطناعي كأداة ابتكارية

تناولت المبادئ التوجيهية في موضوعها الأول الاختراعات التي تُنجز بمساعدة الذكاء الاصطناعي، وأكدت أنه يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة في عملية الابتكار، تمامًا مثل الأدوات المعملية التقليدية. ويبقى الإنسان هو المسؤول عن تحديد المشكلة، وتوجيه العملية، وتفسير مخرجات الذكاء الاصطناعي.

وتؤيد التحليلات القانونية هذا النهج، مشيرة إلى أن الاختراعات التي يُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي كمساعد تظل قابلة للحصول على براءة شريطة أن تكون مساهمة الإنسان جوهرية. ويتماشى ذلك مع توجيهات مكتب الولايات المتحدة لبراءات الاختراع والعلامات التجارية لعام 2023، التي تنص على أن من يستخدم الذكاء الاصطناعي للمساعدة في التصور يمكن اعتباره مخترعًا.

ومن المهم الإشارة إلى أنه لا يشترط الإفصاح عن دور الذكاء الاصطناعي في طلب البراءة، ما لم يكن ذلك ضروريًا لتمكين الاختراع. وقد يتغير هذا مع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وازدياد التعقيد في مسائل الوضوح والتمييز.

  • رفض الادعاءات المتعلقة بالاختراع الذاتي للذكاء الاصطناعي

وفي الموضوع الثاني، ترفض المبادئ التوجيهية بشكل قاطع فكرة أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يملك أو يولّد اختراعات قابلة للحماية بشكل مستقل. وقد استُشهد بقضية DABUS كنموذج دولي، وجاء رفض المملكة لطلب DABUS متماشيًا مع أبرز الأنظمة القانونية في العالم.

وتدعم توجيهات الهيئة هذا التوجه، حيث تنص على أن العمل الذي يُنتج “بشكل مستقل” من قبل الذكاء الاصطناعي يجب أن يدخل في الملك العام. وهذا يجنّب إضعاف مبدأ “المخترع البشري” ويحول دون تعقيدات قانونية في منح الحقوق لكيانات لا تتمتع بالشخصية القانونية.

  • براءات اختراع الذكاء الاصطناعي نفسه: النطاق والقيود

تناولت المبادئ في موضوعها الثالث براءات الاختراع التي تستهدف تقنيات الذكاء الاصطناعي نفسها — مثل تحسين الشبكات العصبية، أو أساليب التدريب، أو تطبيقات صناعية معينة.

وهنا تُميز المبادئ بين:

  • البرمجيات التعبيرية البحتة (مثل النماذج الرياضية أو المقاطع البرمجية)، وهي غير قابلة للحماية بالبراءة؛
  • والبرمجيات ذات التأثير التقني، والتي يمكن أن تُمنح الحماية إذا كانت تحل مشكلة تقنية ملموسة.

ويتسق هذا الإطار مع اتفاقية تريبس، والمكتب الأوروبي لبراءات الاختراع، ومكتب براءات الاختراع الياباني، مكتب الولايات المتحدة لبراءات الاختراع والعلامات التجارية.

وتؤكد هذه المراجعة أهمية الإفصاح الكافي، خصوصًا عند التعامل مع نماذج ذكاء اصطناعي قد تُعد “صناديق سوداء”. وهذا أمر جوهري لتلبية متطلبات التمكين بموجب القانون السعودي، ويعكس مخاوف مشابهة عالميًا من استخدام الأسرار التجارية ضمن طلبات براءة الاختراع.

  • آثار استراتيجية للمبتكرين والممارسين

يشير التوافق بين المبادئ التوجيهية وقوانين الهيئة الخاصة بالملكية الفكرية إلى استراتيجية واضحة تهدف لجعل المملكة بيئة قانونية آمنة ومتقدمة للابتكار في الذكاء الاصطناعي، مع آثار مهمة تشمل:

  • اليقين القانوني: يعرف المبتكرون مسبقًا أن المخترع يجب أن يكون بشريًا، وأن التمييز بين المساعدة والاكتشاف الذاتي من قبل الذكاء الاصطناعي أمر بالغ الأهمية.
  • الدعم التشريعي: يتضمن مشروع قانون الهيئة الخاص بالملكية الفكرية أحكامًا للتسريع في الفحص، وحوافز مالية للاختراعات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، مما يعزز التزام المملكة تجاه الذكاء الاصطناعي ضمن رؤية 2030..
  • نصائح استراتيجية لبراءات الاختراع: على الممارسين القانونيين الذين يقدمون المشورة للمطورين في المملكة التأكد من:
    • توثيق مساهمة الإنسان بوضوح ويمكن تتبعها؛
    • توضيح الاستخدام الفني للذكاء الاصطناعي عند الحاجة للامتثال لمعايير الإفصاح؛
    • صياغة عناصر الحماية لتُظهر التطبيقات العملية، لا مجرد الأساليب المجردة.

خاتمة: إطار متوازن ومستقبلي

تقدم المبادئ التوجيهية لبراءات الاختراع المرتبطة بالذكاء الاصطناعي إطارًا واضحًا ومتماشيًا مع المعايير الدولية. وقد نجحت المملكة في تحقيق توازن دقيق: المحافظة على المبدأ الجوهري بأن المخترع يجب أن يكون إنسانًا، مع تبني الذكاء الاصطناعي كأداة تمكينية ثورية في الابتكار.

ومن خلال التوافق مع المعايير الدولية، والمشاركة في الحوار العالمي عبر المنظمة العالمية للملكية الفكرية، وإدخال فصل تشريعي خاص بحقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، تؤكد المملكة دعمها للمخترعين المحليين، وتوجه رسالة واضحة لأصحاب المصلحة الدوليين: مرحب بالابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي — ضمن نظام ملكية فكرية مبدئي ومتمحور حول الإنسان.

ومع استمرار المملكة في إصلاح بنيتها التحتية في مجال الملكية الفكرية، وتعزيز اقتصادها المعرفي، يضمن هذا النهج بقاءها على قدرٍ عالٍ من الاتساق القانوني والطموح التقني.

محمد جمعة

مستشار ملكية فكرية
22 أبريل 2025

للحصول على نسخة من المبادئ التوجيهية الرسمية الصادرة عن الهيئة السعودية للملكية الفكرية باللغة الإنجليزية، يرجى التواصل مع الكاتب على البريد الإلكتروني mjomoa@kadasa.com.sa